بسم الله الرحمن الرحيم
حكاية جريمة قتل بشعة هزت الشارع المصري وأصبحت على لسان الملايين
الكاتب الفلسطيني:علي نصوح مواسي
* أحدهما هجم على خالدٍ وشدّه من الخلف شالاًّ حركته، صرخ خالد من جديد: " إنتو مين؟ عاوزين منّي إيه؟ "، لم يعرّفا بنفسيهما.. بدأ الآخر بضربه بكلّ قوّة، ردّ مدافعًا عن نفسه فخبطا رأسه برفّ رخاميّ، حاول صاحب المقهى التّدخل لكن دون جدوى، جرّا الشّاب الرّقيق خارج المقهى، صبّوا عليه وابلَ لكماتٍ وصفعات
كأسطول الحرّيّة، كحذاء منتظر الزّيديّ، كشهيدة الحجاب مروى الشّربينيّ، كمحمّد الدّرّة، كالطّفلة المغربيّة المعذّبة زينب، كالشّاب صادم السّعود، كسامي الحاج، قرعَ صاحبنا جدارَ الخزّانِ وصمت ليتحدّث الجميع..
خالد محمّد سعيد، ما كنتُ أعرفهُ يومًا، ما وقعتُ على اسمِهِ إلاّ صُدفَةً... عرّفتني إليهِ مؤخّرًا صديقةٌ جزائريّةٌ تقيمُ في مصر، ومنذ ذلكَ الحينِ تعاهدنا على ألاّ نفترق.
كنّا وقتها نتحدّث عن خسارة الجزائر في أولى جولاتها بالمونديال، ومن حيثُ لا أدري بدأتُ أشكو لها أمر منعي دخول الأردن، فشكت لي أمر ضربها في إحدى المظاهرات الغاضبة لخالد، ثمّ أبرقتْ برابطٍ قادني إليه، ليكون أوّل لقاءٍ يجمع بيننا، وقفتُ خلاله على حكايته، لا يرويها هو، إنّما أقوامٌ كثرٌ غيره، فقد أضحى في ليلةٍ وضحاها حكايةً شعبيّةً ومن مأثورِ الكلام.
ما كنتُ أعرفُ خالدًا، ولولا فلاشات الجراحِ والوجع والجريمة، لما عرفتهُ صديقتي الجزائريّة، ولا عرفته أنا البعيد المتخفّي في سهولِ فلسطين، ولا عرفه غيرنا، ولظلّ حتمًا حبيسَ ظلّه أبدا... لم يُرِدْ الشّهرَةَ، ولكنّها أرادته غيابيّا..
" أنا اسمي خالد محمّد سعيد ": عنوان صفحة التّضامن المركزيّة مع خالد على الفايس بوك، بلغ عدد المنتسبين إليها خلال أيّامٍ معدوداتٍ أكثر من مئتين وأربعين ألفا، إلى جانب مئات الصّفحات الأخرى والمدوّنات والصّحف والمجلاّت وأفلام الفيديو والمواقع والكليبات الّتي تناولت حكايته الغرائبيّة العجائبيّة الشّهرزاديّة، يرِدُها عشرات الآلاف يوميّا.
ابنُ ثمانيةٍ وعشرين حلمًا وأملا، يعرفُ أبجديّة البحر الاسكندرانيّ من ميم موجه لحاء محاره، يعيشُ في متعة وحسرة الظّلّ المصريّ الملايينيّ، بعيدًا تمامًا عن أعينِ المتصفّحين والفضوليين، له حياةٌ تحتفظُ بتفاصيلها لنفسها... ظلّ كذلك إلى أن ابتسم لهُ القدرُ مكرًا، فلم يبقى مصريٌّ حرٌّ لا يعرفُ اسمه ويهتف به.
اليوم أكتب عنه وأكتب له، خاصّةً وأنّ قصّته لا تعود إليه وحده، وليست ملحمةً نادرةً يتيمةً لبطلٍ نادرٍ متفرّد، بل هيَ فصلٌ من روايةٍ لم تكتب نهايتها مُذ أبرهةَ الأشرَمَ وكسرى ورمسيسَ ونيرون، توقّع أن تجدَ شبيهاتها اليومَ قَلْبَ كلّ حارةٍ عربيّة، عند كلّ تقاطع طرق، لدى كلّ محطّة حافلات، في كلّ وكر أمن، بعد كلّ تجمّع، خلفَ أيّ حائطٍ، تحتَ " أَنْهي " سقف، حكايةٌ تتناسخُ وتتوالدُ وتتناصّ من ومع ملايين الحكاياتِ الحبيسةِ في ملايين الأفواه المكمّمة، والعيونِ الباكية الغائرة، والنّفوسِ المجرّحة، والعقولِ المصرّعة.
القصة الحقيقية
(( سايبر ))، مقهى إنترنيت بحيّ كيليوبترا وسط الاسكندريّة، فيه كانَ يجلسُ خالدٌ مع أحد أصدقائه عندما دخل عوض سليمان ومحمود صلاح أو الفلاّح، متجهّمان ضخمان مفتولا العضلات، وبدآ يفتّشان النّاس دونما إفصاحٍ عن هويّتهما..
اعترض خالدٌ وأبدى امتعاضًا: " هل لدى حضرتكما أيّ إذن بالتّفتيش؟ من أنتما، ماذا تريدان؟... ليس من حقّكما أن تفتّشاني من غير إذن "..
كان ذلكَ لدى عوضٍ ومحمودٍ، المخبرين الشّرسين، بمثابة إعلان حربٍ عليهما، فهما سدنةُ الطّوارئ المستخلفون في الأرض، ودونما مقدّمات، هجم أحدهما على خالدٍ وشدّه من الخلف شالاًّ حركته، صرخ خالد من جديد: " إنتو مين؟ عاوزين منّي إيه؟ "، لم يعرّفا بنفسيهما.. بدأ الآخر بضربه بكلّ قوّة، ردّ مدافعًا عن نفسه فخبطا رأسه برفّ رخاميّ، حاول صاحب المقهى التّدخل لكن دون جدوى، جرّا الشّاب الرّقيق خارج المقهى، صبّوا عليه وابلَ لكماتٍ وصفعات، ركلوا كلّ موضعٍ في جسده بأرجل همجيّتهم، داسوه بغوغائيّتهم، ظلّوا يعبثونَ به تعنيفًا وضربًا وتمثيلاً مدّة عشرين دقيقة متواصلة، حاول الخلاص دونما فائدة، دحرجوه رفصًا وسط الشّارع نازفًا، رطموا رأسه بالسّيارات المصطفة المرّة تلو المرّة، ثمّ سحلوه فوق الإسفلت تخلّصًا من عيون ومسامع النّاس المشدوهين المرعوبين الّذين بدأوا بالتّجمهر دون أن يحرّكوا ساكنًا، اقتادوهُ إلى مدخل عقارٍ مجاور، وهناك خبطوا رأسه بالباب الحديديّ، صفقوا وجهه برخام الدّرج، طرقوا رأسه بالتّرابسين عنيفًا..
استغاثَ خالدٌ، صرخ واستنجد واسترحم، وما من مجيب، الكلّ يتفرّج مصنّمًا: المارّة في الشّارع، النّاس الواقفونَ يتفرّجون، الرّجالُ الجالسون في مقهيين على طرفيّ الشّارع...
- سيبوني.. حموت..
- إنت كده كده ميّت...
" سيبوه.. سيبوه.. ده حيموت، حرام عليكو "، صرخت فتاةٌ في الثّامنة عشر من عمرها، شاركتها صرختها زوجة بوّاب العقار وإحدى السّيّدات المقيمات فيه، فجاء الرّدّ شرسًا: " هوّا ده اللّي احنا عاوزينه.. إنّه ابن الوسخة ده يموت "..
بعد مدّة من الزّمان، أسرع طبيبٌ مرّ صدفةً في الشّارع ليسعفه، يرافقه طالبٌ في الصّيدلة، كان الأوان قد فات حينها، لقد ودّعت روح خالدٍ آلامَ جسده وتشويهاته، فارق حياته الجميلة البسيطة، وبدأت منذ الآن رحلته نحو عوالم الشّهرة بأسلوبٍ عجزت عبقريّة هوليوود الإجراميّة عن ابتكاره، لكنّ سلطة الطّوارئ المصريّة ليسَت عنهُ بعاجزة.
نَهَرَ المُجرمانِ الطّبيبَ والطّالبَ وأمراهما بالابتعاد فورًا، مهدّدانِ كلّ من سيتدخّل بملاقاةِ المصير نفسه، فانسحبا صاغرَين.
رحل المخبران القاتلان ليعودا بعد زمانٍ قليلٍ بسيارةِ شرطةٍ يرافقهما ضابطٌ بالأبيض (( الملائكيّ ))، أو أنّهما وفقَ روايةٍ ثانية، اتّصلا بالضّابط الأبيضِ فأرسل إليهما بسيارة، المهمّ أنّهم أخذوا الجثّةَ أخيرًا في رحلةٍ مكّوكيّةٍ إلى قسم (( سيدي جابر )) ليروّحوا عن روحها المنعتقة منها، وكانت إحدى النّساء قد أسرعت بملايةٍ ليغطّوه، فرفضوا ذلك مدّعين بأنّه مغمًى عليه لا أكثر.
بعد عشر دقائق ردّوه إلى حيث أخذوه، ألقوه أمام العقار ذبيحةً نازفةً بحضور ومباركة مأمور القسم ونائبه وعدد من ضبّاط المباحث، ثمّ طلبوا سيّارة إسعافٍ لإنقاذه، تمامًا وفق ما يقتضي القانون ومقتضيات حقوق الإنسان وواجب احترام المواطن!!!
جمعوا الهواتف النّقّالة من المارّة، هدّدوا النّاس بملاقاة المصير نفسه إذا ما شهدوا على الحادثة، قالوا إنّه تاجر مخدّراتٍ ابتلع بضاعته فاختنق ثمّ دهسته سيّارة عندما حاول الفرار من قبضة الشّرطة السّريّة!!!
وصلت سيّارة الإسعاف، رفض طاقمها إخلاء الجثّة وهي بهذه الحالة، أجبروهم على ذلك عنوةً: " حتطّلعوا يعني حتطّلعوا "، أخذوا الجثّة إلى المشرحة، كتبوا ما كتبوا في تقرير الطّبّ الشّرعيّ المبدئيّ، وزوّروا ما زوّروا في ملفّ خالدٍ الأمنيّ والجنائيّ، وبعد أن حبكوا الحكاية، استدعوا أخاه ليستلم الجثّة، أراد استلامها بالجواز الأمريكيّ الّذي يحمل فرفضوا، فاستلمها عنه أحد العاملين في المشرحة ببطاقته المصريّة، طلبوا إلى أخ خالدٍ أن يسرع في دفن الجثّة من غير إحداث أي جلبة، وإلاّ....
تلك روايةُ عشرات الشّهود، الصّور، التّسجيلات وزلاّت الجناة.
حكاية جريمة قتل بشعة هزت الشارع المصري وأصبحت على لسان الملايين
الكاتب الفلسطيني:علي نصوح مواسي
* أحدهما هجم على خالدٍ وشدّه من الخلف شالاًّ حركته، صرخ خالد من جديد: " إنتو مين؟ عاوزين منّي إيه؟ "، لم يعرّفا بنفسيهما.. بدأ الآخر بضربه بكلّ قوّة، ردّ مدافعًا عن نفسه فخبطا رأسه برفّ رخاميّ، حاول صاحب المقهى التّدخل لكن دون جدوى، جرّا الشّاب الرّقيق خارج المقهى، صبّوا عليه وابلَ لكماتٍ وصفعات
كأسطول الحرّيّة، كحذاء منتظر الزّيديّ، كشهيدة الحجاب مروى الشّربينيّ، كمحمّد الدّرّة، كالطّفلة المغربيّة المعذّبة زينب، كالشّاب صادم السّعود، كسامي الحاج، قرعَ صاحبنا جدارَ الخزّانِ وصمت ليتحدّث الجميع..
خالد محمّد سعيد، ما كنتُ أعرفهُ يومًا، ما وقعتُ على اسمِهِ إلاّ صُدفَةً... عرّفتني إليهِ مؤخّرًا صديقةٌ جزائريّةٌ تقيمُ في مصر، ومنذ ذلكَ الحينِ تعاهدنا على ألاّ نفترق.
كنّا وقتها نتحدّث عن خسارة الجزائر في أولى جولاتها بالمونديال، ومن حيثُ لا أدري بدأتُ أشكو لها أمر منعي دخول الأردن، فشكت لي أمر ضربها في إحدى المظاهرات الغاضبة لخالد، ثمّ أبرقتْ برابطٍ قادني إليه، ليكون أوّل لقاءٍ يجمع بيننا، وقفتُ خلاله على حكايته، لا يرويها هو، إنّما أقوامٌ كثرٌ غيره، فقد أضحى في ليلةٍ وضحاها حكايةً شعبيّةً ومن مأثورِ الكلام.
ما كنتُ أعرفُ خالدًا، ولولا فلاشات الجراحِ والوجع والجريمة، لما عرفتهُ صديقتي الجزائريّة، ولا عرفته أنا البعيد المتخفّي في سهولِ فلسطين، ولا عرفه غيرنا، ولظلّ حتمًا حبيسَ ظلّه أبدا... لم يُرِدْ الشّهرَةَ، ولكنّها أرادته غيابيّا..
" أنا اسمي خالد محمّد سعيد ": عنوان صفحة التّضامن المركزيّة مع خالد على الفايس بوك، بلغ عدد المنتسبين إليها خلال أيّامٍ معدوداتٍ أكثر من مئتين وأربعين ألفا، إلى جانب مئات الصّفحات الأخرى والمدوّنات والصّحف والمجلاّت وأفلام الفيديو والمواقع والكليبات الّتي تناولت حكايته الغرائبيّة العجائبيّة الشّهرزاديّة، يرِدُها عشرات الآلاف يوميّا.
ابنُ ثمانيةٍ وعشرين حلمًا وأملا، يعرفُ أبجديّة البحر الاسكندرانيّ من ميم موجه لحاء محاره، يعيشُ في متعة وحسرة الظّلّ المصريّ الملايينيّ، بعيدًا تمامًا عن أعينِ المتصفّحين والفضوليين، له حياةٌ تحتفظُ بتفاصيلها لنفسها... ظلّ كذلك إلى أن ابتسم لهُ القدرُ مكرًا، فلم يبقى مصريٌّ حرٌّ لا يعرفُ اسمه ويهتف به.
اليوم أكتب عنه وأكتب له، خاصّةً وأنّ قصّته لا تعود إليه وحده، وليست ملحمةً نادرةً يتيمةً لبطلٍ نادرٍ متفرّد، بل هيَ فصلٌ من روايةٍ لم تكتب نهايتها مُذ أبرهةَ الأشرَمَ وكسرى ورمسيسَ ونيرون، توقّع أن تجدَ شبيهاتها اليومَ قَلْبَ كلّ حارةٍ عربيّة، عند كلّ تقاطع طرق، لدى كلّ محطّة حافلات، في كلّ وكر أمن، بعد كلّ تجمّع، خلفَ أيّ حائطٍ، تحتَ " أَنْهي " سقف، حكايةٌ تتناسخُ وتتوالدُ وتتناصّ من ومع ملايين الحكاياتِ الحبيسةِ في ملايين الأفواه المكمّمة، والعيونِ الباكية الغائرة، والنّفوسِ المجرّحة، والعقولِ المصرّعة.
القصة الحقيقية
(( سايبر ))، مقهى إنترنيت بحيّ كيليوبترا وسط الاسكندريّة، فيه كانَ يجلسُ خالدٌ مع أحد أصدقائه عندما دخل عوض سليمان ومحمود صلاح أو الفلاّح، متجهّمان ضخمان مفتولا العضلات، وبدآ يفتّشان النّاس دونما إفصاحٍ عن هويّتهما..
اعترض خالدٌ وأبدى امتعاضًا: " هل لدى حضرتكما أيّ إذن بالتّفتيش؟ من أنتما، ماذا تريدان؟... ليس من حقّكما أن تفتّشاني من غير إذن "..
كان ذلكَ لدى عوضٍ ومحمودٍ، المخبرين الشّرسين، بمثابة إعلان حربٍ عليهما، فهما سدنةُ الطّوارئ المستخلفون في الأرض، ودونما مقدّمات، هجم أحدهما على خالدٍ وشدّه من الخلف شالاًّ حركته، صرخ خالد من جديد: " إنتو مين؟ عاوزين منّي إيه؟ "، لم يعرّفا بنفسيهما.. بدأ الآخر بضربه بكلّ قوّة، ردّ مدافعًا عن نفسه فخبطا رأسه برفّ رخاميّ، حاول صاحب المقهى التّدخل لكن دون جدوى، جرّا الشّاب الرّقيق خارج المقهى، صبّوا عليه وابلَ لكماتٍ وصفعات، ركلوا كلّ موضعٍ في جسده بأرجل همجيّتهم، داسوه بغوغائيّتهم، ظلّوا يعبثونَ به تعنيفًا وضربًا وتمثيلاً مدّة عشرين دقيقة متواصلة، حاول الخلاص دونما فائدة، دحرجوه رفصًا وسط الشّارع نازفًا، رطموا رأسه بالسّيارات المصطفة المرّة تلو المرّة، ثمّ سحلوه فوق الإسفلت تخلّصًا من عيون ومسامع النّاس المشدوهين المرعوبين الّذين بدأوا بالتّجمهر دون أن يحرّكوا ساكنًا، اقتادوهُ إلى مدخل عقارٍ مجاور، وهناك خبطوا رأسه بالباب الحديديّ، صفقوا وجهه برخام الدّرج، طرقوا رأسه بالتّرابسين عنيفًا..
استغاثَ خالدٌ، صرخ واستنجد واسترحم، وما من مجيب، الكلّ يتفرّج مصنّمًا: المارّة في الشّارع، النّاس الواقفونَ يتفرّجون، الرّجالُ الجالسون في مقهيين على طرفيّ الشّارع...
- سيبوني.. حموت..
- إنت كده كده ميّت...
" سيبوه.. سيبوه.. ده حيموت، حرام عليكو "، صرخت فتاةٌ في الثّامنة عشر من عمرها، شاركتها صرختها زوجة بوّاب العقار وإحدى السّيّدات المقيمات فيه، فجاء الرّدّ شرسًا: " هوّا ده اللّي احنا عاوزينه.. إنّه ابن الوسخة ده يموت "..
بعد مدّة من الزّمان، أسرع طبيبٌ مرّ صدفةً في الشّارع ليسعفه، يرافقه طالبٌ في الصّيدلة، كان الأوان قد فات حينها، لقد ودّعت روح خالدٍ آلامَ جسده وتشويهاته، فارق حياته الجميلة البسيطة، وبدأت منذ الآن رحلته نحو عوالم الشّهرة بأسلوبٍ عجزت عبقريّة هوليوود الإجراميّة عن ابتكاره، لكنّ سلطة الطّوارئ المصريّة ليسَت عنهُ بعاجزة.
نَهَرَ المُجرمانِ الطّبيبَ والطّالبَ وأمراهما بالابتعاد فورًا، مهدّدانِ كلّ من سيتدخّل بملاقاةِ المصير نفسه، فانسحبا صاغرَين.
رحل المخبران القاتلان ليعودا بعد زمانٍ قليلٍ بسيارةِ شرطةٍ يرافقهما ضابطٌ بالأبيض (( الملائكيّ ))، أو أنّهما وفقَ روايةٍ ثانية، اتّصلا بالضّابط الأبيضِ فأرسل إليهما بسيارة، المهمّ أنّهم أخذوا الجثّةَ أخيرًا في رحلةٍ مكّوكيّةٍ إلى قسم (( سيدي جابر )) ليروّحوا عن روحها المنعتقة منها، وكانت إحدى النّساء قد أسرعت بملايةٍ ليغطّوه، فرفضوا ذلك مدّعين بأنّه مغمًى عليه لا أكثر.
بعد عشر دقائق ردّوه إلى حيث أخذوه، ألقوه أمام العقار ذبيحةً نازفةً بحضور ومباركة مأمور القسم ونائبه وعدد من ضبّاط المباحث، ثمّ طلبوا سيّارة إسعافٍ لإنقاذه، تمامًا وفق ما يقتضي القانون ومقتضيات حقوق الإنسان وواجب احترام المواطن!!!
جمعوا الهواتف النّقّالة من المارّة، هدّدوا النّاس بملاقاة المصير نفسه إذا ما شهدوا على الحادثة، قالوا إنّه تاجر مخدّراتٍ ابتلع بضاعته فاختنق ثمّ دهسته سيّارة عندما حاول الفرار من قبضة الشّرطة السّريّة!!!
وصلت سيّارة الإسعاف، رفض طاقمها إخلاء الجثّة وهي بهذه الحالة، أجبروهم على ذلك عنوةً: " حتطّلعوا يعني حتطّلعوا "، أخذوا الجثّة إلى المشرحة، كتبوا ما كتبوا في تقرير الطّبّ الشّرعيّ المبدئيّ، وزوّروا ما زوّروا في ملفّ خالدٍ الأمنيّ والجنائيّ، وبعد أن حبكوا الحكاية، استدعوا أخاه ليستلم الجثّة، أراد استلامها بالجواز الأمريكيّ الّذي يحمل فرفضوا، فاستلمها عنه أحد العاملين في المشرحة ببطاقته المصريّة، طلبوا إلى أخ خالدٍ أن يسرع في دفن الجثّة من غير إحداث أي جلبة، وإلاّ....
تلك روايةُ عشرات الشّهود، الصّور، التّسجيلات وزلاّت الجناة.